الاهتمام الكبير الذي حظيت به الحرب الإيرانية الإسرائيلية إعلامياً لم يشمل أوضاع النساء
يتخذ الرجال والدولة قرارات الحرب لتحقيق الأطماع سواء في التوسع أو السيطرة والنساء اللواتي لا ناقة لهن ولا جمل في هذه الحرب إما أن تصبحن ضحايا وتهمش معاناتهن أو تصبحن أدوات لدعم السلطة.
مالفا محمد
مركز الأخبار ـ أكدت الصحفية العراقية أفراح شوقي، على أن الهجمات الأخيرة ما بين "إسرائيل" وإيران، كشفت عن العديد من نقاط الضعف البنيوية، وعلى رأسها التهميش المستمر للمرأة، مشددةً على أن الاستماع إلى النساء ومنحهن فرصاً حقيقية للمشاركة وصنع القرار، قد يكون هو النهج الأبرز في المرحلة القادمة.
في زحام الدخان المتصاعد من الضربات العسكرية، وفي ظل هدنة تتأرجح فوق أرض هشة، وبينما تنشغل القوى الدولية بتقليب خرائط الردع والردّ، تُمزّق النساء خيوط النجاة في صمت؛ يتنقلن بين الملاجئ والدمار، محمّلات ليس فقط بالخسائر، بل بأسئلة لا إجابة لها.
ولتسليط الضوء على التجربة النسوية في سياق الحرب، والسرديات الإعلامية والسياسية، وهل يمكن أن يكون صوت النساء بوصلة نحو الأمن والسلام كان لوكالتنا حوار مع الصحفية العراقية أفراح شوقي.
إلى أي مدى شكّلت الحرب الأخيرة تهديداً مضاعفاً لسلامة النساء في المناطق المستهدفة، ليس فقط كأجساد معرضة للعنف، بل كقوى مهمشة في مسار اتخاذ القرار؟
بالفعل هناك فجوة كبيرة ممكن أن تؤثر في هذه الصراعات وعلينا دراستها الآن بالتحديد، وتسليط الضوء عليها لأن هناك غياب حقيقي لما تعرضت له النساء بسبب هذه الحرب، فالمرأة هي الراعية للأسرة والمسؤولة عن البيت، ويقع عليها العبء الأكبر فكرياً، خاصة وسط بلدان ممكن أن تغيب فيها بعض حقوق النساء.
وكلنا نعرف النساء الإيرانيات اللواتي يقدن منذ فترة طويلة مظاهرات وتواجهن تحديات كبيرة، تعود إلى طبيعة نظام الحكم السائد، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، والرغبة في التعليم، وقد كان للنساء دور بارز في هذا الحراك، حيث برزن بنشاط واضح، إلا أن هذا الزخم تراجع في ظل الحرب الأخيرة.
وشهدت هذه الحرب استهدافاً مباشراً لمستشفيات وسجون، منها سجن إيفين المعروف في إيران، والذي يضم عدد كبير من النساء، وقد تعرضن لانتهاكات مزدوجة، من جهة العنف الداخلي ومن جهة القصف الخارجي، مما فاقم من معانات المعتقلات، بناءً على كل ما سبق، يبرز اليوم دور حاسم للمنظمات الدولية والحقوقية للقيام بمسؤولياتها تجاه ما جرى، خصوصاً فيما يتعلق بالنساء اللواتي دفعن الثمن الأكبر في هذا الصراع.
كيف تنعكس الهُدن المؤقتة على النساء في مناطق الحرب؟ وهل تُستخدم كأدوات تهدئة إعلامية؟
من الطبيعي أن يغفل القرار السياسي في كلا الدولتين بشكل كبير حقوق النساء وظروفهن، دون اتخاذ تدابير فعّالة لمعالجة أوضاعهن، وهذه مسألة ينبغي أن تُطرح بقوة، لأن العبء الأكبر من تداعيات الحرب يقع على كاهل النساء، لا سيما الناجيات من العنف أو من تعرّضن له بشكل مباشر، ونحن نعاني من نقص حاد في توثيق تحوّلات حياتهن بعد هذه الأحداث، فلا نعرف كيف هي ظروفهن الآن، رغم الاهتمام الكبير الذي حظيت به الحرب من قبل الإعلام والمتابعين.
خلال متابعتي للأوضاع، لاحظت نقصاً كبيراً في المعلومات المتعلقة بالنساء من نواحٍ عدة، وفي بعض الأحيان، بدا أن هناك توجّهاً لتوظيف صور النساء اللواتي أظهرن دعماً للحكومة ضمن حملات معنوية، من خلال الأناشيد الوطنية أو التعبير عن الولاء للدولة، متجاهلين في الوقت نفسه التحديات القاسية التي تمرّ بها تلك النساء، لقد أُعطي انطباع بأن الوطنية تغلبت على مطالبهن بالحرية والحقوق، وكأن التضحية بالصوت النسوي في سبيل الوطن نقطة إيجابية تُحسب لهن.
ما أثر الأزمة على النساء في دول الجوار كسوريا والعراق كضحايا مضاعفات للامتدادات الجيوسياسية؟
الصراع القائم بين إسرائيل وإيران ألقى بظلاله الكثيفة على العديد من دول المنطقة، وبوجه خاص على الدول المجاورة، التي وجدت نفسها مهددة بشكل يومي بسبب التصريحات العلنية بالاستهداف والتصعيد، لم تعد التهديدات مجرد أدوات للضغط، بل تطورت في بعض الحالات إلى استهداف حقيقي، مما زاد من هشاشة الأمن الإقليمي.
لو استمر هذا التصعيد، لكانت تداعياته أخطر وأوسع نطاقاً، لا سيما على النساء في تلك الدول، اللواتي يعانين في العادة من أضعف أشكال الحماية خلال الأزمات. ومع دخول المنطقة في مرحلة من التهدئة النسبية، تبدو الصورة أوضح من أي وقت مضى، لقد كشفت الحرب الأخيرة عن ثغرات بنيوية في منظومة الحماية، وعن نقاط ضعف عديدة في الخطاب والسياسات المتعلقة بالمرأة، ومن هنا، يمكن القول إننا على أعتاب مرحلة جديدة ستتطلب إجراء دراسات معمقة، ووضع مؤشرات دقيقة لتقييم ما مرّت به النساء أثناء هذه الأزمات.
الأمل الآن أن تُمنح النساء دورٌ أكبر وصوتٌ أقوى، من أجل المشاركة في صناعة منظومة وقاية أكثر فاعلية، سواء عبر حكوماتهن أو من خلال المجتمع الدولي، لقد آن الأوان لإعادة ترتيب الأوراق، والبناء على ما كشفته هذه الأحداث من معاناة وصمود، لصياغة رؤية مستقبلية يكون فيها للنساء مكان محوري في السلام والأمن.
في أوقات الحرب، تصبح الكلمة أداة تعبئة أو عزاء لكن كيف يُصاغ الخبر، ومن تُروى تجربته؟... كيف تُبنى السرديات الإعلامية حول النساء في هذه الحرب؟
في سياق الصراع الأخير، لم تقتصر المواجهة على الجبهات العسكرية فحسب، بل كانت هناك حرب إعلامية شرسة تفوق في تأثيرها في بعض الأحيان الحرب الميدانية ذاتها، فقد طغت أساليب التضليل، والتهويل، وبث الخوف، ونشر الأخبار الكاذبة والدعاية السياسية، بهدف التأثير على الرأي العام وتشويش صورة العدو.
شهد الجميع خلال تلك الفترة تضارباً كبيراً في الأخبار، وغياباً واضحاً للدقة، حيث ظهرت بعض التصريحات كـ "بالونات اختبار"، بينما تم التعتيم المقصود على أخبار أكثر أهمية وواقعية، كما تم تسجيل محاولات متعمدة لإضعاف شبكة الإنترنت في بعض البلدان المنخرطة في الحرب، بهدف تقييد تدفق المعلومات، والتحكم في مستوى التعبئة الإعلامية.
لقد أصبح الإعلام أداة تُستخدم للأسف بصورة سلبية في الحروب، لتأجيج المشاعر بدلاً من تهدئتها، ولطمس الحقائق بدلاً من كشفها. لكن، وبفضل تنوّع المصادر الإعلامية المستقلة والمنصات الرقمية، ما يزال بالإمكان التحقق والوصول إلى الروايات الموثوقة.
ومع انتهاء الحرب، من المنتظر أن تُكشف الكثير من القضايا التي لم يكن بالإمكان تسليط الضوء عليها خلال أيام القتال الاثني عشر، التي كانت مشبعة بالتوتر والخوف، مما حال دون الاطلاع الكامل على العديد من التفاصيل الإنسانية والحقوقية المصاحبة.